أقرّت الحكومة اللبنانية الخميس خطة إنقاذ اقتصادية طال انتظارها،
وتأمل على أساسها إقناع المجتمع الدولي بمساعدة لبنان على الخروج من دوامة انهيار
مالي فاقمته تدابير وقاية مشددة لمواجهة وباء كوفيد-19.
وأورد حساب الرئاسة في تغريدة مقتضبة، "مجلس الوزراء وافق
بالاجماع على الخطة الاقتصادية بعد إدخال تعديلات طفيفة على الصيغة
المقترحة"، على أن يلقي رئيس الحكومة حسان دياب كلمة عصراً.
وجاء إقرار الخطة بعد ثلاثة أيام متتالية نزل خلالها مئات المتظاهرين
إلى الشوارع احتجاجاً على غلاء المعيشة وفقدانهم مصادر رزقهم وغياب أي أفق حل
للأزمة الاقتصادية، رافعين الصوت عالياً ضد "الجوع". وحصلت مواجهات
بينهم وبين وحدات من الجيش، خصوصاً في مدينة طرابلس شمالاً.
وقالت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد إثر انتهاء الجلسة أن الخطة تعبر
عن "الإطار العام للتوجه الاصلاحي للحكومة والتي على ضوئها سيتم أخذ مقررات
لاحقاً".
وأوضحت أن "الهدف الأساسي هو التفاوض مع الدائنين في الخارج (..)
وربما قد ينجم عن التفاوض وفراً بالسيولة يجعلنا نقدم على خطوات مختلفة".
ولم تفصح عبدالصمد عن تفاصيل الخطة، لكنها أوضحت أنها لا تتضمن تحرير
سعر صرف الليرة وتحمي حقوق "98 في المئة على الأقل من المودعين".
ووفق نسخة أولية من الخطة تمّ تسريبها قبل أسابيع وأثارت انتقادات
كثيرة، تقدّر الحكومة حاجة لبنان اليوم إلى أكثر من 80 مليار دولار للخروح من
الأزمة والنهوض بالاقتصاد، ضمنها ما بين 10 إلى 15 مليار دولار على شكل دعم خارجي
خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتأمل الحكومة، العازمة على إعادة هيكلة الدين العام المتراكم، بإقناع
المجتمع الدولي الذي اشترط عليها القيام بإصلاحات "سريعة وفعالة" لتقديم
أي مساعدة مالية أبرزها 11 مليار دولار أقرّها مؤتمر "سيدر" عام 2018
لهذا البلد الصغير المنهك بسنوات من الأزمات السياسية المتتالية وعقود من الفساد.
واعتبر دياب في مستهل جلسة الحكومة أنه "بإقرار الخطة
الاقتصادية نكون قد وضعنا القطار على السكة.. لأنها ستحدد مسار الدولة لإصلاح
الواقع".
- "خطوة مهمة"-
وفي أول رد فعل دولي على الخطة، غرّد المنسق الخاص للأمم المتحدة في
لبنان يان كوبيش "لقد خطت الحكومة خطوة مهمة نحو الإصلاحات ومعالجة الأزمة المصيرية
الراهنة عبر إقرار خطتها الإصلاحية".
وأضاف "الآن على القوى السياسية والمجتمع المدني إبداء رأيهم
بالخطة، مما يمهد الطريق للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وسائر الشركاء الدوليين".
وفي إطار مساعيها لمواجهة الأزمة، طلبت الحكومة في شباط/فبراير
مساعدة تقنية من صندوق النقد. لكن محللين يقولون إنه لا يمكن إخراج لبنان من دوامة
الانهيار من دون طلب مساعدة مالية من الصندوق.
والأزمة الاقتصادية الحالية تُعد الأسوأ منذ الحرب الأهلية
(1975-1990)، وهي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات
بنيوية. ويعدّ لبنان من أكثر الدول مديونية في العالم، وتبلغ قيمة ديونه 92 مليار
دولار، أي ما يعادل أكثر من 170 في المئة من ناتجه المحلّي.
وفي آذار/مارس، أعلنت الحكومة التوقف عن سداد الديون الخارجية في
إطار إعادة هيكلة شاملة للدين هدفها حماية احتياطات البلاد من العملة الأجنبية
التي تراجعت خلال الأشهر الماضية بشكل كبير.
ويقول علاء خضر (34 عاماً)، وهو موظف في منظمة غير حكومية وينتظر
مولودا جديدا، لفرانس برس إنه لا يعلّق آمالاً على خطة الحكومة لأن "العبرة
في تنفيذها"، مذكراً بأن الحكومات السابقة "وضعت خططاً كثيرة، لكن الوضع
زاد تدهوراً وافلاساً حتى بلغنا مرحلة باتت الحلول فيها شبه معدومة".
ويضيف الشاب المقيم في طرابلس "بات راتبي بالكاد يكفيني مع
عائلتي الصغيرة حتى آخر الشهر (...) وعلى غرار الآلاف في لبنان، أشعر في كل لحظة
أنني مهدد بخسارة عملي".
- مواجهات متكررة
-
وبدأت معالم الانهيار الاقتصادي بالظهور صيف العام 2019، مع بروز سوق
موازية لسعر صرف الليرة وشح الدولار، ما دفع بمئات الآلاف إلى النزول إلى الشارع
لأشهر عدة رافعين الصوت ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحملونها
مسؤولية أزمتهم المعيشية. وأطاحت التظاهرات بالحكومة السابقة.
وهدأت التحركات نسبياً مع تشكيل حكومة دياب بداية العام الحالي
لتقتصر على تحركات رمزيّة أطاحت بها إجراءات الوقاية من فيروس كورونا المستجد الذي
تسبب ب725 إصابة بينها 24 وفاة حتى الآن. وفاقمت تدابير الاغلاق العام في الوقت
ذاته معاناة المواطنين.
ومع تفاقم الشلل الاقتصادي، طفح كيل جزء كبير من اللبنانيين بسبب
تراجع قدرتهم الشرائية بعدما سجلت الليرة اللبنانية بداية الأسبوع الحالي انخفاضاً
قياسياً جديداً في السوق السوداء لتتخطى عتبة أربعة آلاف مقابل الدولار، تزامناً
مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 55 في المئة، بحسب تقديرات رسمية.
وبات 45 في المئة من اللبنانيين، بحسب تقديرات رسمية، يرزحون حالياً
تحت خط الفقر، بعدما خسر عشرات الآلاف مورد رزقهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر
الستة الماضية.
وعاد مئات الشبان إلى الشارع منذ الإثنين، واشتبك العشرات منهم مع
الجيش في مدينة طرابلس، في مواجهات تكررت لثلاث ليال متتالية رشق خلاها المحتجون
القوى الأمنية بالحجارة وقنابل المولوتوف اليدوية. وردّ الجيش باستخدام الغاز
المسيل للدموع والرصاص المطاطي.
وأسفرت المواجهات منذ الإثنين عن مقتل شاب وإصابة عشرات المتظاهرين
والعسكريين بجروح.
في مدينة صيدا (جنوب) كما في طرابلس وبيروت وبلدات أخرى، يصبّ
المتظاهرون غضبهم على المصارف نتيجة الإجراءات المشددة التي تفرضها على سحب
الودائع. وعمد بعض المحتجين إلى تكسير واجهات مصارف عدة أو إلقاء قنابل مولوتوف
عليها.
تعليقات
إرسال تعليق